إطلالة سريعة حول الإسلام في إقليم التبت
في أقصى بقاع الأرض وعلى أعالي الجبال حيث جبال الهيمالايا والقمم العالية يوجد إقليم التبت في جنوب غرب الصين، والتبت هضبة عالية جدًّا على ارتفاع 4 كيلو متر عن سطح البحر، ولأنها أعلى مكان في العالم تُسمى “سقف العالم”، وبسبب طبيعة الإقليم وصعوبة الطقس؛ فأهل التبت منعزلون عن العالم وليس لهم اختلاط بالصينيين أو الهنود، ولهم عادات خاصة بهم، والبوذيون التبتيون هم أصل التبت وأتباع (الدالاي لاما)، وتعني القائد المقدس.
ويوجد بالتبت مسلمون، وتُقدر أعدادهم بحوالي ربع مليون مسلم من أصل 3 مليون مواطن، وعاصمة التبت مدينة “لاسا”، ويوجد بها “مسجد لاسا” المشهور، وهو موجود إلى الآن، ومبني على الطِراز التبتي.
دخول الإسلام إلى التبت
وصل الإسلام إلى التبت رغم ارتفاعها وبعدها عن العالم ليتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا”.
وقد دخل الإسلام إلى التبت عن طريق تجار تركستان الشرقية، وأهل التبت هم من أرسلوا رسالة إلى الخليفة الأموي (عمر بن عبد العزيز) سنة 100 هجرية ليُرسل إليهم من يُعلمهم الإسلام، فأرسل الخليفة إلى (الجراح بن عبد الله) والي خُرسان -شرق إيران- أن يُرسل إليهم فقيهًا، فأرسل الوالي إليهم (سُليط بن عبد الله) ليُعلمهم دينهم.
حكم البوذيُّون التبت فترة من الزمن، وخلال هذه الفترة كان المسلمون والبوذيُّون في تعايش مستمر، وعلى مر التاريخ لم يحدث بينهم أيّ صِدام، حتى ضمت الحكومة الصينية الشيوعية إقليم التبت إليها سنة 1951.
– مسجد “السهام بعيدة المدى”
إنّ من المحطات الهامة للمسلمين التبتيين كانت في القرن السابع عشر في عهد (الدالاي لاما الخامس) الذي حكم لمدة 65 عامًا، فقد رأى يومًا مسلمًا يصلي بخشوع فأعجبه ذلك، فنادى على ذاك المسلم وسأله عن سبب صلاته في هذا المكان؟ فأجاب بأنهم مسلمون وليس لديهم مكان خاص بهم ليصلوا فيه! فأمر الدالاي لاما بإحضار أمهر الرماة وأمره أن يقف في المكان الذي كان يصلي فيه هذا المسلم، وأن يرمي بسهامه في الاتجاهات الأربعة شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وأمر أن يُوصل بين هذه السهام، وأعطى كل هذه المساحة للمسلمين ليبنوا لهم فيها مسجدًا، وهذا المسجد موجود إلى وقتنا هذا، وسُمّى بمسجد “السهام بعيدة المدى”؛ تخليدًا لهذه القصة، ودليلًا على التعايش بين المسلمين والبوذيين.
وحينما وجد القائد البوذي (الدالاي لاما الخامس) أنّ المسلمين قِلة وأضعف من البوذيين، أحبّ أن يُعطيهم فرصة لحياة أفضل داخل التبت فوضع عنهم الجزية، وهو الأمر الذي ساعد المسلمين على أن يكون لهم مكانة اقتصادية.
– الصين وضم إقليم التبت
كان إقليم التبت يعيش نوعًا من الاستقلال حتى عام 1951 حين دخلته جيوش الصين الشيوعية وضمته إلى الصين، فتغيّرت الكثير من الظروف السياسية فيه، وانتقل الدالاي لاما وأتباعه إلى الهند، أما المسلمون التبتيُّون فمنهم من بقي تحت الحكم الصيني، ومنهم من ترك التبت وانتقل إلى كشمير والهند في الفترة بين 1961 – 1964م.
وفي شرق الهند أقام المسلمون تجمعات سكنية لهم بمساعدة بعض الدول، وأسسوا جمعية وأسموها “جمعية رعاية مسلمي التبت”، وبدأت الجمعية في رعاية شؤون المسلمين.
واشتكى المسلمون التبتيون في فترة الحكم الصيني من محاولة السلطات محو ثقافتهم وهويتهم الدينية، وذلك عن طريق فرض دراسة اللغة الصينية ومنع اللغة التيبتية، والتعليم غير المجاني عكس ما كانوا عليه قبل ذلك.
ويؤكد مرصد الأزهر أنّ من عظمة الدين الإسلامي هو قدرته على التعايش مع أي عِرق أو جنس بشري، ووصوله لكل أرجاء الدنيا، فدخل الصين رغم صعوبة اللغة الصينية والانقطاع عن العالم الإسلامي كله، وتعمّق إلى بكين وشانغهاي وغيرهما من المدن الصينية، وصعد إلى جبال الهيمالايا بالتبت وتعايش مع التبتيين، ونزل إلى سهول تركستان الشرقية وتعايش مع الأوغوريين، وفي ذلك دليل يدحض أية مزاعم تقول: إن الإسلام دين لا يدعو إلى التعايش مع الآخر أو أنه يدعو إلى الكراهية.